رحله آثام
المحتويات
يضايقني وكل ده عشان أضطر أسيبك إنتي والبنات.
فزع داخلها وجف حلقها من مجرد توهم حدوث ذلك في التو احتضنت وجهه براحتيها وأخبرته بتوجس
متقولش كده ده أنا أروح فيها.
ارتمت في حضنه قائلة بقلب ما زال يدق في خوف
أنا كلي فداك.
ربت على ظهرها بخفة غير مكترث بإخفاء هذه البسمة اللعوب التي ظهرت على شفتيه تراجعت تهاني عنه لتطلب منه في تدلل رقيق
سألها بجدية بعدما خبت ابتسامته
خير
لم تكن تملك من الشجاعة الكافية ما يجعلها تخبره بمسألة فصل ابنها من مدرسته الداخلية وإلا لثار عليها وتأزم الموقف فلجأت لحجة مناسبة أملت أن تنطلي عليه. تنحنحت قائلة بتردد
ينفع أوس يقضي معانا يومين الأجازة بتوعه هنا
تنهد في زفرة بطيئة وهو يرمقها بهذه النظرة المتشككة ثم قال بمكر ليبدو أمامها وكأنه خاضع لما تمليه عليه حتى يظفر بالمزيد من المال منها
مجددا ألقت بنفسها في أحضانه وهي تشكره بشدة
حبيبي ربنا يخليك لينا...
وإنت شوف
ناقصك إيه وأنا أجيبهولك وبزيادة.
التوى ثغره بابتسامة سخيفة هازئة من سذاجتها التي تستفزه أكثر عن كل مرة العجيبة أنها تصدق في تعلقه القوي بها وهو قد بات فاتر المشاعر تجاهها حتى تودده الحميمي إليها أصبح محدودا لذا من البديهي أن تلاحظ ذلك لكنها كانت حمقاء لا تدرك حقيقة زواجهما الواهي ما أغاظه حقا منها هو موقفها المتراخي تجاه ابنها فواحدة غيرها كانت خاصمت العالم بأسره لأجله خاصة مع جم ما تعرضت له من إذلال وهوان لتبقيه في أحضانها لكنها مع الوقت اختارت ما يرضيها شخصيا متناسية حقوق صغيرها عليها ومتوقع منها أن تفعل المثل مع توأمتيه لهذا أباح لنفسه كل الوسائل لاستنزافها حتى تحين اللحظة المناسبة ويتخلص منها !!!!.
الفصل السادس والثلاثون
بذرة الشرور
بحركة اهتزازية رتيبة ظل الصغير أوس يحرك ساقه اليسرى للأمام والخلف وهو ينتظر خارج مكتب مدير مدرسته الداخلية حيث تلتقي والدته به بعدما تم استدعائها لاستلام أوراقه لنقله من هذا الصرح التعليمي. للغرابة تفاجأ بها تدافع عنه بضراوة وتختلق له الحجج والأعذار لتبرر سلوكياته وتصرفاته المتجاوزة فصوتها المرتفع قد وصل إليه وجعله على دراية بما يدور بالداخل دون الحاجة للتواجد فعليا معهما. لم يتوقع منها أن تفعل ذلك خاصة بعد أن ازدادت الفجوة بينهما وأصبح تواصلهما كأم مع ابنها محدودا ومقتضبا حينئذ شعر بشيء من السرور ينتعش بداخله يا ليتها استمرت على ذلك النهج لما صار بهذا العناد!
أكيد مش هغلب وهلاقي لابني مكان يقدر يفهم طبيعة شخصيته ويساعده يبقى أفضل مش يحمله الذنب ويرميه كأنه نكرة.
جاء صوته جادا حينما علق عليها بما يشبه النصيحة
اللي بنعمله ده لمصلحته والأهم إن سلوكه يتغير لأنه لو فضل على كده صدقيني مافيش مكان محترم هيقبل بيه.
هنشوف...
ثم استدارت برأسها نحو ابنها لتنظر إليه وهي تأمره
يالا يا أوس علشان نمشي.
نهض من مكانه ساحبا معه حقيبته التي امتلأت بكافة متعلقاته الشخصية أخذتها منه والدته وقالت كنوع من المواساة
معلش يا حبيبي هما خسروك.
لم يبد مباليا بالمرة بشأن فصله بل شعر وكأنه أزاح ثقلا عن صدره بالتخلص من ذلك المكان استمع إليها وهي تؤكد له
اكتفى بالإيماء برأسه فطلبت منه بصوت ترقرق إلى حد ما
بس ممكن أطلب منك طلب
نظر لها بعينين متسائلتين فأوضحت له وهي تضع على ابتسامة صغيرة
يا ريت ماتحكيش عن اللي حصل ده لعمو ممدوح
تعكرت ملامحه وأشاح بوجهه بعيدا عن نظرتها المهتمة فاستمرت في سرد أسبابها
مش حباه يفضل فاكر إنك لسه مشاغب وبتعمل مشاكل وده مش حلو علشان علاقتكم سوا أنا عايزاكم تبقوا زي الأصحاب كأب وابنه.
وكأنها لم تقل شيئا ألقى ما فاهت به وراء ظهره وواصل السير دون كلام بينما تهاني لا تزال تخاطبه في ودية
وبعدين أنا زمايلي قالولي عن مدرسة لطيفة أحسن من دي وهتكون قريبة من البيت.
ظل على صمته معها فحاولت كسر حاجز السكوت الذي يضعها معها بإشراكه في الحوار
ها إيه رأيك
رد بغير اكتراث وهو يهز كتفيه
عادي.
انتقلت لسؤال آخر محاولة استطالة الحديث معه
مانفسكش تشوف إخواتك
نظر إليها باهتمام لا يمكن إنكاره فأضافت في حماس
دول كبروا شوية ولما حد بيكلمهم بيضحكوا.
ثم حاوطته من كتفيه بذراعها وتابعت بنفس النبرة النشطة
هتتبسط أوي لما تجرب تعمل كده.
ظل واضعا لقناع الجمود على محياه رغم ذلك الشعور اللطيف بالمرح الذي تخلله لمجرد تخيله مشاركتهما اللعب واللهو بلا مراقبة أو سلطة.
...........................................................
جراء ما تعرضت له مؤخرا من تطورات صحية مفاجئة تخلت عن فكرة إقامة حفل زفاف أسطوري يتحاكى عنه الجميع لأشهر وربما لسنوات مثلما حلمت طوال عمرها لتكتفي بتنظيم حفل ذي مستوى راق بالكاد يرتقي لتطلعاتها دعت للحضور إليه قلة معدودة ممن تربطهم الصلة الوثيقة بالعائلتين تجنبا للقيل والقال وتناثر الأخبار والشائعات المغلوطة لتسافر بعدها إلى الخارج مستمتعة بالأيام الأولى في زواجها.
شعرت ناريمان بالغرابة والقلق ولم تستطع مغالبة هذه المشاعر المضطربة رغم بذل مهاب كل الجهد لإسعادها وإشعارها بالتميز والاختلاف لن تنكر أنها ذاقت معه أشهى ألوان الهوى واستمتعت بالمفهوم العميق والمؤثر للوقوع في شباك الحب ومع هذا بقيت مترددة مستحوذ على تفكيرها الخۏف من المجهول والحيرة من اختيار هذه الزيجة الغامضة فكانت معظم لقائتهما تنتهي قبل أن يصل تلاحمهما الجسدي لذروة الرضا والانتشاء.
لم تستطع البقاء في غرفتها الفندقية الفاخرة وارتدت ثياب السباحة واضعة حول جسدها وشاحا من قماش الشيفون لتستلقي على واحدة من الأرائك البلاستيكية المرصوصة أمام المسبح محاولة تصفية ذهنها والتوقف عن ذلك الأرق الذي يزعجها حينما لم يجدها زوجها بالأعلى توجه إلى المسبح حيث توقع أن تتواجد. جلس ملاصقا لها وداعب ذراعها بأصابعه في خفة فاقشعرت من لمساته حاول التودد إليها بحميمية فصدته بجمود استنكر ما قامت به وعبس متسائلا
في إيه يا حبيبتي
فردت المنشفة على جسدها
لتغطي مفاتنها الظاهرة وأخبرته بعزوف صريح
ماليش مزاج يا مهاب.
استاء للغاية من تمنعها عليه وقال في استهجان مشوب باللوم
وأنا مش عايز منك غير إنك تحسي بيا وتقدري مشاعري.
نفخت في سأم وقالت بصبر نافد
من فضلك أنا تعبانة ومش قادرة.
للحظة توهم أنه تشكو من علة مرضية بجسدها فتساءل بلهجة الطبيب المتمرس
في حاجة بټوجعك قولي ماتتكسفيش!
رمقته بهذه النظرة الغريبة قبل أن تباعد عينيها عنه لتعلق بكلام موحية
مش لازم يكون كل التعب في الجسم!
فهم ما ترمي إليه دون الحاجة للتوضيح فأخبرها مباشرة
أنا حاسس إنك متغيرة من بعد جوازنا أو خليني أقول بصراحة إنك ندمانة على جوازك مني.
وكأنه قرأ ما يجول في رأسها من خواطر متخبطة صمتها أكد لها ظنونه وأفصح عن ذلك بترديده
كلامي صح طالما سكتي.
حاولت تبرير موقفها الحرج بقولها المرتبك
الحكاية مش كده.
نهض من جوارها قائلا بسحنة مقلوبة للغاية
مش محتاج أسمع أكتر من كده وصلني اللي جواكي ومش عاوزة تقوليه.
كادت تنطق بشيء لتصحح من سوء الفهم لكنه حسم أمره هاتفا بجدية
جهزي نفسك عشان هنرجع.
لم يمهلها الفرصة للاعتراض وغادر المسبح بخطوات شبه سريعة مستحضرا في ذاكرته تصرفات زوجته السابقة الخانعة له رغما عنه عقد عقله مقارنة سريعة بين الاثنتين مرجحا كفة الأخيرة لصالحها فقد كانت طوع بنانه يشكل عجينتها الطرية كيفما يشاء ودون أن تجرؤ على الشكاية أو مخالفته أبقى على ملامحه واجمة مدمدما مع نفسه في تبرم
دي تهاني كانت برقبتك!
...................................................
كعادته كلما يعود من سفرة طويلة يتقابل معه ليلا بغرفته بالمشفى قبل أن يستكملا سهرتهما بأحد المطاعم الشهيرة. التعابير التي كان عليها مهاب أكدت لرفيقه أنه لم يكن مسرورا وكانت الزيجة محفوفة بعناصر الهم والنكد وإلا لما كف عن استعراض مدى كفاءته الذكورية في إيقاع فريسته الجديدة. ضحك ممدوح في سخرية ليأتي تعقيبه مغيظا له
أوام كده يومين العسل خلصوا
رد عليه بضيق
مش ناقصك يا ممدوح في شغل كتير متعطل وعايز أرتب جدولي من الأول.
سأله مستفهما في فضول
وعلى كده المدام راجعة امتى
أجابه بعد زفرة سريعة
لما أظبط حوار السكن.
استغرب لتفكيره في تبديل بيته مجددا واستخبر منه بتطفل واضح
مش عاجبها الفيلا بتاعتك
أتى رده على مضض
لأ عايزة حاجة في أدوار عالية تشوف بيها السماء.
تصنع الضحك السخيف وعلق
واضح إن مراتك ليها دماغ.
ضجر مهاب من الحديث عن زوجته غالبية الوقت وسأله في جدية
سيبك من سيرتها وقولي أوس عامل إيه
مط فمه للحظة قبل أن يجيبه مقتضبا
كويس..
ما لبث أن مازحه في استخفاف وبكلمات مفهومة المغزى
أبعتهولك يومين ياخد بحسك بدل ما إنت قاعد لوحدك مقطوع
تغاضى عن مضمون تلميحاته المشيرة إلى هجر زوجته له ورد بنفس الصوت الجاد
لما أظبط السكن.
ثم عاد لصمته محاولا مطالعة ما لديه من ملفات متراكمة تخص أهم الحالات المړضية رفع بصره عن الأوراق عندما ألح عليه ممدوح في مكر
إنت حالك مش عاجبني إيه رأيك في اللي يعدلك مزاجك
ظل رفيقه على تبرمه فهتف به بانزعاج
ممدوح! خف عني!
رد عليه بتصميم
يا عم ده أنا بعوضك عن يومين الكآبة اللي كنت فيهم جرب بس ومش هتندم ده إنت أستاذ الدلع والمريسة!
زفر عاليا قبل أن يرد
بعدين.
مجرد قبوله ضمنيا بالعودة إلى ما كان عليه أعطاه الوسيلة لجره لأعماق المستنقع الذي كان يشاركه فيه بكل شيء لهذا لم يتورع عن ملاحقته كظله حتى يضمن عدم تراجعه. في خبث لا يمكن إنكاره خاطبه وهذه اللمعة الشيطانية تتراقص في مقلتيه
اتفقنا يا صاحبي وأنا مش عاوزك تشيل هم حاجة نهائي أومال أنا موجود ليه!
ارتخى في جلسته أكثر وبدأ في إعمال عقله بكامل طاقته للتفكير فيما يعيدهما للأمجاد السابقة.
..........................................
هذه المرة أصر ممدوح على إرسال الصغير أوس في وقت باكر مع مربيته إلى مسكن أبيه الجديد حتى توضب متعلقاته بغرفته هناك وفي نفس الآن يعتاد على المكان ويتفقده بأريحية إلى أن يعود مهاب من عمله متأخرا خاصة مع جدوله المشحون بعشرات العمليات الجراحية. لم تمانع تهاني ذلك ورحبت باقتراح زوجها المهتم فقد كانت مشغولة هي الأخرى بعملها ولن تستطع القدوم مبكرا لبيتها لذا بدا من المناسب إبقائه هناك واكتفت فقط بالذهاب لاصطحابه ليلا إن أراد العودة معها والمكوث مع شقيقتيه التوأم.
بالنسبة له كان النهار طويلا ممتدا يكاد لا يمضي أبدا شعر أوس بالملل والفتور
لبقائه بمفرده في هذا المسكن المتسع دون أن يفعل ما يفيد وخصوصا بعد رحيل مربيته ليظل باقيا مع تلك الأخرى المتواجدة من أجل القيام على كافة متطلبات أبيه وأيضا رعايته في حالة تواجده. كان ممتنا لأنه أحضر كرته معه فراح يركلها هنا وهناك في بعض الأحيان كان
متابعة القراءة