رحله آثام
المحتويات
شتى دارت غالبيتها حول مشاكل الجيران وأهالي المنطقة أخرجهن من التفاصيل المتشعبة صوت قرع الجرس وقتئذ انتصبت أفكار في جلستها فقد سعت بجهد جهيد للتحايل على الظروف المعاندة من أجل خلق فرصة مناسبة لابنة شقيقتها فإذ ربما يحدث المراد وتلقى القبول من أحد الأغراب. في التو فردت كتفيها قائلة بلهجة ودية لكنها آمرة
امتثلت لطلبها قائلة وهي تنهض من موضعها
حاضر يا خالتي.
استدارت ولم تلحظ
النظرات المعقودة على آمال كبيرة تجاهها وهي تتعلق بظهرها أثناء ذهابها بعيدا عنهما سارت فردوس بتعجل نحو الباب لتفتحه فتفاجأت بوجود أحدهم يسد عليها الفراغ له طول فاره وبشرة وجه سمراء وشعر قصير فاحم مموج يرتدي قميصا مخططا يجمع بين درجات اللون الأزرق على بنطال من الجينز. انفرجت شفتاها عن دهشة متعجبة سرعان ما تنبهت لكونها قد أطالت التحديق فيه عندما بادر ملقيا التحية
أطرقت رأسها حرجا وهي ترد
وعليكم السلام.
سألها متحاشيا النظر تجاهها
الحاجة أفكار موجودة
لم تتمكن من الإجابة عليه حيث أسمعته خالتها صوتها وهي تخبره من الداخل
تعالى يا بدري أنا هنا.
عندئذ تنحت للجانب لتسمح له بالمرور فرأته ممسكا بحقيبة معدنية في يده. خفض بدري من صوته مرددا
يا رب يا ساتر.
تقدم ناحية صاحبة البيت التي أتت إليه هاتفا بنوع من الاحترام
قالت وهي تقترب منه بتعابير بشوشة
في نعمة والحمدلله مواعيدك مظبوطة يا بدري.
ضحك معلقا بعدها في مرح
إنتي عارفاني مقدرش أتأخر عليكي.
ربتت على جانب ذراعه تشكره
تعيش يا ابني.
سأله مستفسرا وهو يرفع يده الحرة ليضعها على مؤخرة عنقه كلزمة تلقائية
إيه المشكلة
أخبرته بقليل من التجهم
الحنفية عمالة تنقط ومش عارفة إن كانت عاوزة چلدة جديدة ولا آ...
أنا هشوفهالك.
تهللت أساريرها للأمر وقالت بنظرة غامضة مخاطبة ابنة شقيقتها
روحي معاه يا فردوس...
قفزت الأخيرة في مكانها مشدوهة للطلب غير المتوقع منها فبرقت عيناها تجاهها وظلت على حالتها المصډومة وهي تتابع أوامرها لها
وخليكي على إيده لحد ما يخلص ماتسبيهوش وشوفي طلباته لأحسن ركبي شادة عليا ومش قادرة أقف على حيلي.
سارت في إثره بخطوات متعثرة تدل على ارتباكها فلم تختل مطلقا بأحد الغرباء عنها دون وجود أمها إلى جوارها لكن بداخلها استشعرت ترتيبا خفيا يتم من أجلها ويا ليته يأتي بنتيجة مرجوة!
غابت عقيلة عن المشهد متعمدة لئلا تسبب الحرج لابنتها لكنها استرقت السمع من موضعها رفعت كفيها للسماء وراح لسانها يدعو في رجاء شديد
انضمت إليها شقيقتها وهي تختم دعائها فقالت هي الأخرى
يا رب ياختي.
عم الوجوم على ملامح عقيلة فاستطردت في نبرة مهمومة
البت دي بختها قليل أوي وخاېفة أموت وأفوتها كده لوحدها لا سند ولا ضهر.
من فورها ردت أفكار بنظرة معاتبة
بعد الشړ عليكي متقوليش كده حسك بالدنيا يا حبيبتي وبعدين كل شيء قسمة ونصيب ووقت ما يجي نصيبها محدش هيحوشه.
تنهدت مليا وببطء قبل أن تضيف والأمل يبزغ في أعماقها
يسمع منك ربنا.
لم يحدث جلبة وهو يعمل في صمت لتبديل قلب الصنبور غير الصالح بآخر جديد انهمك في أداء ما جاء لأجله بتركيز شديد كأنه جراح يجري عملية جراحية دقيقة تتطلب كافة طاقته وقدراته ومع ذلك انتهزت الفرصة لتراقبه بغير
حرج وتتأمله عن قرب الآن تفقه ذهنها لسبب إصرار والدتها على ارتداء أحد أثواب شقيقتها وكانت ممتنة لذلك وإلا لبدا مظهرها أقرب للخادمات عن الشابات اليافعات. مسدت فردوس على جانبيها بخفة لتفرد ما تجعد من القماش ثم رفعت يدها للأعلى لتمسح سريعا على مقدمة رأسها لتتأكد من تسوية شعرها. فتشت بنظراتها سريعا عن شيء لامع يشبه المرآة لتلقي نظرة خاطفة على وجهها. انتفضت مرة واحدة عندما تكلم فجأة دون استهلال
أنا كده ظبطت الحنفية وكله بقى تمام.
وكأن لسانها قد علق بداخل جوفها فاستغرقها الأمر لحظات حتى ترد عليه بابتسامة مشوبة بالخجل
تسلم .. تعبناك معانا.
جمع عدته المتناثرة هنا وهناك في صندوقه المعدني فسألته وقد تسرب الخجل إلى دمائها فاندفع مسببا توردا خفيفا في وجنتيها
تحب أعملك شاي
أجاب بلا تردد وفي التو
يا ريت.
سألته مبتسمة وهي ترمش بعينيها
كام معلقة سكر
قال وهو يستقيم واقفا
تلاتة.
لوهلة شعرت بنظراته تطوف عليها كأنما تفحصها وتتفرس فيها فزاد خجلها وشعورها بالارتباك إنها مرتها الأولى التي تتعرض فيها لمثل هذه النوعية من النظرات القريبة المهتمة إحساسها كأنثى مرغوبة جعلها تشعر بالنشوة والسرور فقلما وجدت من أحدهم ذاك الاهتمام بسبب استحواذ شقيقتها على كل الانتباه والإعجاب. تضاعفت ربكتها مع قدوم خالتها لتتساءل في مكر
إيه الأخبار يا ولاد
بلهفة عجيبة أجابت فردوس وقد ملأ الإشراق قسماتها
الأسطى بدري صلح الحنفية خلاص.
أطلقت أفكار ضحكة مرحة قبل أن تمتدحه
طول عمره أسطى أد الدنيا.
هتف مجاملا وهو يسير تجاهها
كتر خيرك يا حاجة.
أشارت له بالتحرك وهي تخاطبه
تعالى اقعد معانا حلة أهوو تستريح شوية وتاخد نفسك.
حمحم معترضا في تهذيب
أنا معملتش حاجة تستاهل.
أصرت عليه بتصميم أكبر
ودي تيجي ده إنت في بيتي.
علق باسما وهو يسير معها
مش هكسرلك كلمة يا حاجة.
توقفت أفكار عن المسير لتستدير من جديد نحو ابنة شقيقتها تأمرها
وإنتي يا دوسة صبي الشاي وحصلينا.
قالت بوجه متورد بشدة وهي ترمش بعينيها في استحياء
حاضر يا خالتي.
أحست فردوس بدبيب قلبها المتحمس يتسارع لم تتخيل أن تنتابها مثل هذه الأحاسيس المتعاظمة لمجرد رؤية أحدهم يظهر اهتماما زائدا بها ربما بدا عاديا للآخرين لكنه معها كان مختلفا! وضعت كلتا يديها على وجنتيها تتحسس السخونة المنبعثة فيهما دارت حول نفسها كأنما ترقص فرحا ورفعت بصرها للسماء مرددة
اجعله بالخير يا رب.
تنهدت مليا وأغمضت عينيها محاولة إعادة هذه اللحظات القليلة في ذاكرتها لتنتشي مجددا ويا ليت حلمها الوردي يكتمل!
ما إن انتهت من إعداد الشاي الساخن وتقديمه للضيف مع بعض الحلوى الشهية حتى لحقت فردوس بوالدتها التي انتظرتها بجوار باب البيت تمهيدا لذهابهما فلا داعي لبقائهما بعد انقضاء الموعد المدبر وكذلك تجنبا للمزيد من الحرج والتوتر الخجل ومع ذلك لم تغفل عن اختطاف نظرة أخيرة قبل انصرافها لتجعل ذكراها ملازمة لها لبعض الوقت. تركت عقيلة الساحة لشقيقتها لتكمل ما بقي عالقا فاستطردت
تتساءل مباشرة بعدما اقتصرت الجلسة عليهما فقط
ها عجبتك قول ما تتكسفش رأيك إيه فيها
بتردد محسوس في صوته ومعكوس على ملامحه ونظراته حاول بدري المناص من هذا الموقف المراوغ قائلا
أصلي مابفكرش في الجواز دلوقتي.
من فورها سألته وقد قاربت ما بين حاجبيها
وحد قالك قوم اتجوز بكرة!
هم بالاعتراض لكنها بادرت بإيقافه بإشارة من كف يدها فالتزم الصمت حينئذ استرسلت بمكر ناعم لإقناعه
بس مافيش مانع تخطب واحدة بنت حلال من أصل طيب مش طمعانة في حاجة غير حيطة تداريها وراجل ياخد باله منها.
رفع يده على جانب رأسه ليهرشه معقبا
مش عارف والله يا حاجة!
استخدمت نفس الأسلوب المحنك في التأثير عليه بترديدها
مش عشانها بنت أختي بكلمك عليها مع إن المثل بيقول أخطب لبنتك وماتخطبش لابنك بس البت زي العجينة الطرية تشكلها زي ما إنت عاوز مش بتاعة مشاكل.
فرقع أنامله مبديا ردا محايدا
اللي فيه الخير يعمله ربنا.
أمعنت النظر في وجهه مضيفة في لطافة وألفة وهي تقرب طبق الحلوى منه
فكر كده ورد عليا وصدقني مش هتندم.
ثم ابتسمت بمحبة ولم تزد حرفا تاركة الفرصة له للتفكير بجدية أكبر في شأن الارتباط بها مع وعد برد قريب على عرضها إما بالقبول أو الرفض!
..........................................
لم تعتد بعد على هذا القدر من الإجهاد المتواصل لفترات طويلة بالإضافة لمحاولتها المضنية للتأقلم مع اختلاف المناخ وتغيير نمط تناولها للطعام الجيد الذي يعود عليها بفائدة سرعان ما أحست تهاني بالإعياء يجتاحها ورغم هذا قاومت الاستسلام له وتابعت انتظام جدول دراستها الذي يلحق به ساعات تدريبها إلا أن التعب تمكن منها في الأخير. بالكاد كانت تمشي باعتدال وهي تهبط الدرجات لتتجه نحو موقف السيارات حيث تتواجد العربة المخصصة لإعادتها إلى مكان سكنها.
توقفت لأكثر من مرة واشتدت قبضتها على الدرابزين المعدني المؤدي في نهايته للباحة الخلفية أدركت أنها لن تستطيع الصمود ما لم تتوجه إلى عيادة الطوارئ الملحقة بالمشفى للاطمئنان على صحتها سحبت نفسا عميقا واستدارت لتعاود الصعود للأعلى لم تنتبه في خطواتها لمن اصطدمت به في كتفه وهو يهبط عكسها. اعتذرت منه في التو دون أن ترفع رأسها وتنظر ناحيته
أسفة.
جاءها صوتا رجوليا متسائلا بلهجة مصرية
إنتي كويسة
أجابت باقتضاب
يعني.
سألها ليتأكد من هويتها الچنسية
هو إنتي مصرية
نظرت إلى من بدا وكأنه يحقق معها بنظرات مشوشة وأجابت بزفير ثقيل أظهر مدى إعيائها
أيوه.
وجدت ابتسامة صغيرة تزحف على ثغره وهو يعقب
صدفة عجيبة...
باعدت ناظريها عنه لتتأوه بصوت خفيض فسألها مهتما
تحبي أساعدك
رفضت بلباقة
شكرا أنا رايحة ناحية الطوارئ.
أصر على الذهاب معها فوقف إلى جوارها قائلا
طب اسمحيلي أفرض نفسي عليكي وأوصلك بنفسي.
تمسكت برفضها وهي تدير رأسها ناحيته
مافيش داعي.
أكملت صعودها لكن الدوار الذي عصف برأسها جعل توازنها يختل فبادر بإسنادها من ذراعها وهو يحذرها پخوف غير مصطنع
خدي بالك.
بدت متحرجة من تصرفها الأخرق وقالت بصوت خاڤت
أسفة.
رد بصدر رحب
متعمدا التأثير عليها للاستجابة لمطلبه
المړض مافيش فيه اعتذار...
ثم مد ذراعه لتستند عليه خلال مشيها واستطرد بلطافة
اتفضلي يا آ...
سألها بعد صمت لحظي
ما اتشرفتش باسمك يا فندم
وضعت بسمة ناعمة على محياها حين جاوبته
أنا الدكتورة تهاني.
بادلها الابتسام معرفا بنفسه في نبرة تشع ثقة تلك التي تجبر مستمعيه على تقدير مكانته في الحال دون التحقق منه
وأنا د. مهاب الجندي رئيس قسم الجراحة العامة هنا!!!
يتبع الفصل الرابع
الفصل الرابع
الفرحة المرتقبة
توالت عليها الأيام بطيئة مستنزفة للأعصاب ومرهقة للتفكير فالرد لم يأت بعد من ناحية خالتها مما جعلها فريسة سهلة للهواجس والشكوك فتنهشها بعمق وتزيد من إحساسها بالخۏف والقلق. مرة ثانية أثناء تواجدها بالمطبخ لمساعدة والدتها في إعداد الطعام عاد الشرود ليهاجمها فراحت تقلب الحساء بلا تركيز إلى أن انتبهت لصوت تذمر أمها فأفصحت لها فردوس عما يحيرها ويملأ صدرها الملتاع متسائلة بقلق
تفتكري يامه هعجبه
ضجرت عقيلة من هذه الأسئلة المستهلكة فهي لا تكف أبدا عن الإلحاح وسماع نفس الرد الرتيب لذا أخبرتها بعد زفير ثقيل يشوبه الملل
ربنا وحده أعلم بس أدينا بندعي يجعل في وشك القبول ويراضيكي.
هذا الكلام المطمئن يبث نوعا من الراحة داخلها وإن كان مبهما عائما متكررا وغير مضمون. لاحت على ابتسامة حالمة وهي تسترسل بأريحية معها كأنما تحادث رفيقة مقربة لها لا والدتها المتحفظة
ياه أما جدع يخطف العين بصحيح طول بعرض وعليه طلة إنما إيه!
ڼهرتها والدتها عن التمادي في الأمر هاتفة بحدة
يا بت اختشي! عيب كده!
لوت ثغرها مغمغمة بتبرم
يوه يامه إن مكونتش أفضفض معاكي في الكلام هفضفض مع مين
سرعان ما لانت معها وقالت وهي تضع ابتسامة حزينة على محياها
يا رب يا بنتي
متابعة القراءة